الحب هو الحل

23
الاهلى طولى

كتب / هاني محسن

فبالحب يحيا الإنسان والحيوان وتعمر الأكوان
قال محدثي : ما هو الحل ؟
قلت : الحب هو الحل.
قال ضاحكاً ومستغرباً : بعض الناس يقولون الإسلام هو الحل ، وبعضهم يقولون الاشتراكية هي الحل ، وآخرون يزعمون أن الرأسمالية هي الحل ، والأكثرون يقولون الديمقراطية هي الحل ، وأنت تقول الحب هو الحل ؟! .
قلت : نعم الحب هو الحل
قال : العالم غارق في المشكلات الاقتصادية والأمنية والسياسية وأنت تريد إغراقه في الحب؟ .
قلت : نعم
قال : كيف ؟! ألم تسمع قولهم إذا جاء الفقر من الباب هرب الحب من الشباك؟
قلت : بلى ، ولكني أخالفهم في ذلك وأقول : إذا جاء الحب من الباب هرب الفقر من الشباك.
قال : كلام رومانسي لا يسمن ولا يغني من جوع
قلت : أريد أن أسالك ماذا تعرف عن الحب ؟
قال : علاقة شخصية بين رجل وامرأة تجعلهما لا يفترقان لدرجة أن أحدهما يضحي بنفسه فداء للآخر.
قلت : لو أصابهما عطش شديد جعلهما عرضة للهلاك ولم يجدا سوى جرعة ماء فماذا يفعلان ؟
قال : كل منهما يؤثر الآخر على نفسه حتى يموتا معاً.
قلت : وهل موتهما معاً أفضل من موت أحدهما وبقاء الآخر؟
قال : نعم ، لأن حياة هذا الأخير ستكون أقسى من الموت.
قلت : وإذا كان الماء أكثر من جرعة كما لوكان ملء كأس هل يقتسمانه ام يستأثر به أحدهما من دون الآخر؟
قال : يقتسمانه
قلت : إذاً لم يهرب الحب من الشباك ، ولو هرب لما كان حّباً ومع ذلك فإن الحب
الحقيقي أكبر وأعظم من أن يقتصر على علاقة شخصية بين رجل وامرأة ، إنه
السعادة التي ترفرف فوق رؤوسنا ولكننا عنها غافلون ولو أفقنا من غفلتنا لتبدلت
حياتنا وتحسنت أحوالنا وعشنا في نعيم ولكن هيهات هيهات لقد استحوذ علينا
الشيطان فأضلنا اللهم إلا فئة قليلة ليس لها من الأمر شيء .
قال : هلا أيقظتني من غفلتي وعَّرفتني ما هو الحب الحقيقي؟
قلت : أولاً هو حب الله سبحانه وتعالى،خالقنا ورازقنا ومحيينا ومميتنا وهادينا وولينا .
قال : كلنا نحب الله.
قلت : تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا العمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
قال : كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
قلت : ما دمنا جميعاً أبناء لآدم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كلكم لآدم ، وآدم من تراب فلماذا هذا العداء بيننا ، وهذه الحروب التي لا تنتهي ؟ ألسنا إخوة ؟! .
قال : بلى ولكن الشيطان ينزغ بيننا .
قلت : وقال سبحانه : إن الذين إتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم
مبصرون.
قال : لقد أصبحوا مستضعفين وليس لهم من الأمر شيء.
قلت : ذلك بما كسبت أيديهم وبعدهم عما وصفهم الله تعالى به بقوله : كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وعمّا حذرهم منه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله )) لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء اذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم ))
فأين نحن من هذا ؟ هل نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ؟ هل يحب بعضنا بعضاً ؟ هل أفشينا السلام بيننا ؟ بل أين نحن من قول الله سبحانه وتعالى : ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم .) ؟!
قال : إذن ما هو الحل؟
قلت : الحب ، الحب وحده هو الحل ، علينا بذل الجهد ما استطعنا ليحب بعضنا بعضاً .
قال : كيف ؟
قلت : بإفشاء السلام بيننا كما دلنا على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. وإفشاء السلام لا يقتصر على إلقاء التحية إن التحية باب لمكان واسع يتضمن العمل على كل ما يحقق السلام من حسن الخلق وحسن المعاملة وإقامة العدل وحسن الجوار وصلة الرحم والإحسان إلى الآخرين وأن يحب كل منا لأخيه ما يحب لنفسه ولا يقتصر ذلك على أخيه المسلم بل يشمل الناس جميعاً لأنهم بنو آدم والله سبحانه وتعالى يقول( ولقد كرمنا بني آدم) ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله).
ولنتذكر دائماً أننا نحن المسلمين مسؤولون عن هداية الآخرين لأنهم إخواننا في الإنسانية والنبي عليه الصلاة والسلام لم يرسل إلينا فقط وإنما أرسل إلى الناس كافة قال الله تعالى له (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وهذه الرحمة تشمل إضافة إلى الإنسان الحيوان والنبات والجماد وجميع المخلوقات مما علمنا ومالم نعلم .
قال : وثانياً ؟
قلت : حب الأنبياء والرسل وبخاصة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه هادينا وقدوتنا ومعلمنا ومرشدنا إنه الانسان الكامل بدأ بنفسه ثم بأهله ثم بالأقرب فالأقرب حتى أعداؤه كانوا يأمنونه على أموالهم ورغم إيذائهم له كان يدعو لهم بقوله اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون لقد تحمّل الكثير من أجلنا ولم تأخذه في الحق لومة لائم ولم يحاب أحداً وحين سأله حبيبه أسامه أن يعفو عمن سرقت غضب وقال أتشفع في حدّ من حدود الله يا أسامة والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها.
قال: كيف يقطع يدها وهي فلذة كبده ومن أحب الناس إليه ؟
قلت : إنه العدل ، العدل الذي به صلاح الأمة التي هي كما قال صلى الله عليه وسلم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
قال : أليس معنى هذا أن نحيط هذا العضو بحبنا وعطفنا ونشارك صاحبه فيما هو فيه من ألم ؟
قلت : بلى ولكن إذا بلغ المرض حد القضاء على الجسد كّله كان الأولى بنا قطعه حفاظاً على الجسد.
قال : لو لم تكن محتاجة لما سرقت.
قلت : هذا غير صحيح بدليل أنها كانت من الأشراف مما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عمن قبلنا: كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الفقير أقاموا عليه الحّد .
قال : فما الذي دعاها إلى السرقة إذن ؟
قلت : الجشع والطمع والأنانية ، إن هذا النوع من الناس لا يعرف الحب أبداً فهو لا يُحِبُّ ولا يُحَبّ لأن الظلم وسوء الخلق يتنافيان مع الحب جملة وتفصيلاً حتى أنك لو أحببت إنساناً ثم تبين لك أنه سيئ الخلق لنفرت منه والعكس صحيح قد ترى إنساناً فتنفر منه فإذا عاملته أحببته ، كيف لا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الإنسان الوحيد الذي نأى بنفسه وأهله عن مال الدنيا الذي أفسد كثيراً من الملوك والرؤساء وكثيراً من الناس وكان سبباً في الفتن والحروب ؟!.
قال : وثالثا ؟
قلت : حب الوالدين فهما جنّتنا ونارنا وعقوقهما من الكبائر .
قال : ورابعاً ؟
قلت : حب الصحابة رضي الله عنهم والصالحين ، وبخاصة العلماء فهم ورثة الأنبياء وأنوار الهدى الذين يجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ويدفعهم الحب إلى أن يكونوا كما وصفهم الله تعالى بقوله : (يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)، حتى وصل الأمر ببعضهم – وهم ثلاثة جرحى في إحدى المعارك وأحوج مايكونون إلى جرعة ماء تنقذهم من الهلاك – أن يؤثر كل منهم أخاه بها على نفسه حتى ماتوا جميعاً ولم يشربوها.
قال : هل خلقنا الله لنموت ؟
قلت : بل لنحيا
قال : فلماذا يقتل بعضنا بعضاً ؟
قلت : لأن الحياة الطيبة تقتضي ذلك وقد صدق من قال اطلب الموت توهب لك الحياة وكذلك من قال :
ليس من مات فوري التراب بميّت إنما المّيت مّيت الأحياء
قال : ما هذه الفلسفة؟
قلت : ليست فلسفة بل هي حكمة لأن الحياة الحقيقية هي أن يكون الإنسان سعيداً عزيزاً كريماً وحراً لا أن يكون شقياً ذليلاً مهاناً مستعبداً وهذا لا يكون مادام في الناس أشرار مجرمون أنانيون يفسدون في الأرض ولا يصلحون ولهذا شرع الجهاد.
قال: أليس الجهاد هو القتال ؟
قلت : القتال هو الجهاد الأصغر .
قال : وما هو الجهاد الأكبر؟
قلت : هو جهاد النفس ولذلك قيل بعد العودة من القتال عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.
قال : كيف ؟
قلت بالتفقه في الدين ثم الدعوة إليه عملاً بقوله تعالى ( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) وبقوله سبحانه ( وجاهدهم به جهاداً كبيراً ) وهذا يتطلب مجاهدة النفس في التفقه في الدين والعمل بما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه ثم دعوة الآخرين إليه وتحمّل الأذى في سبيل ذلك والصبر عليه عملاً بقوله تعالى (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) وهذا ليس سهلاً ولذلك كان أجره عند الله عظيماً فقد قال الله تعالى إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب وأعظم منه حب الله تعالى لهم (إن الله يحب الصابرين).
لذلك علينا أن نحب الناس كلهم فهم إخوتنا منهم من هو أخ لنا بالنسب ومنهم من هو أخ لنا في العقيدة ومنهم من هو أخ لنا في المواطنة ومنهم من هو أخ لنا في الإنسانية، روي أن أعرابياً أراد الدخول على أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما، فسأله الحاجب من أنت فقال أنا أخو الأمير قال الحاجب أنا أعرف جميع إخوته وأنت لست منهم فقال الرجل اذهب إلى الأمير وقل له أخوك يستأذن بالدخول عليك فدخل الحاجب على معاوية وقال له إن رجلاً في الباب يزعم أنه أخوك يستأذن في الدخول عليك فقال معاوية أدخله فلما دخل سأله معاوية من أين أنت أخي ؟ قال من أبينا آدم فضحك معاوية وقال صدقت إنها رحم مقطوعة وسأكون أول من يصلها وأكرمه ، فمن عادانا منهم لا نكرهه وإنما نكره فعله بدليل أننا نحرص على هدايته ونفرح إذا اهتدى.
أما الحيوان فمنه من هو أكثر وفاء من بعض الناس وكلنا نعرف وفاء الكلب وكيف يستميت في الدفاع عن صاحبه وقد عرضت إحدى القنوات الفضائية جملاً يطوف حول قبر صاحبه ممتنعاً عن الاُكل والشرب حتى وصل الأمر ببعض من شاهدوه أن يتبركوا به وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( في كل كبد رطبة أجر) .
ولا ننسى أخيراً المحافظة على نظافة البيئة بعدم تلويثها وإماطة الأذى عنها.

مصر عادى

التعليقات مغلقة.