الموت ولادة فلا تخف

74
الاهلى طولى

كتب :هاني محسن

الموت ولادة سبقتها ولادات فكل منا ولد قبل ولادته الأخيرة مرات كثيرة بعدد آبائه وأجداده، من عهد آدم إلى أن خرج إلى هذه الدنيا. وأعني بذلك انتقاله في ظهورهم كما قال تعالى ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ) الأعراف 172.
فالموت ولادة ننتقل بها من الدنيا إلى البرزخ وبعد حين إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فلو فكرنا في هذا كله لما خفنا من الموت بل لرحبنا به قائلين : يا مرحبا بلقاء الله.
وليس أدل على ذلك من أن المجاهدين في سبيل الله كان لسان حالهم يقول : (وعجلت إليك ربي لترضى).
وصدق الله العظيم : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) آل عمران 169-170.
وصدق من قال : اطلب الموت توهب لك الحياة .
لو تصور أحدنا يوم كان جنينا في رحم أمه ذلك المكان الضيق المظلم وهو فيه وحيد فريد لا أنيس يجالسه ولا جليس يوآنسه فجاء من يخبره بأنه سيخرج من مكانه هذا إلى مكان واسع جدا فيه أرض وسماء وماء وهواء وشمس وقمر ونجوم وبحار وأنهار وجبال وتعاقب ليل ونهار وخلق كثير من الناس والحيوان والنبات وما لذ وطاب من طعام وشراب … الخ ما هناك مما في هذه الدنيا هل كان سيصدق ذلك ؟! لا أعتقد بدليل أنه حين خرج مولوداً كان خائفا وبكى كأنه يفضل البقاء حيث كان على الانتقال إلى عالم آخر مجهول. ولما أنس واستأنس وتمتع بما في الدنيا وتلذذ لم يعد يريد مفارقتها على ما فيها من تعب وشقاء ومكابدة وصدق الله العظيم: إذ حذّر أبوينا من إبليس اللعين بقوله سبحانه وتعالى لهما ( ..إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) طه117 كما قال عز وجل (لقد خلقنا الإنسان في كبد ) البلد 4:
وهذا هو الشاعر الحكيم يقول :
تعب كلها الحياة فما أعـــــ جب إلا من راغب في ازدياد
وقال آخر:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أبالك يسأم
إذن فالحياة في الدنيا شقاء ومكابدة وتعب وسأم ومع ذلك نرى الإنسان يتشبث بها ويعز عليه أن يفارقها.
ألا ما أكبر حجم الدنيا وما فيها بالنسبة لحجم رحم الأم ، إن حجم الآخرة وما فيها بالنسبة لحجم الدنيا -على سعتها- أكبر بكثير، بل هو أكبر من أن نستطيع تصوره. فبالإضافة إلى جنة عرضها السموات والأرض وما فيها مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، هناك خلود أبدي ونعيم مقيم.
وليست الجنة كل ما في الآخرة ، إن فيها جهنم- نعوذ بالله منها ومن عذابها – وليست الآن موضوع حديثنا، وإنما ذكرتها في معرض الحديث عن كبر حجم الآخرة وسعتها، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليّم فلينظر بم يرجع ) مسلم .
أخي المؤمن: أبعد ما حدثتك به عما ينتظرك في الجنة لا تزال تخاف الموت؟! وأنت تعلم قول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم : ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ) مسلم وقوله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ؟! ) ما الموت إلا ولادة تخرجنا من ضيق الدنيا وشقائها وتعبها والمكابدة فيها إلى سعة الآخرة وما فيها مما تقدم ذكره.
وإذا كنا بالموت سنفارق أهلنا وأحبتنا وما في الدنيا من متاع فإن لنا في الآخرة أهلا وأحبة سبقونا إليها هم أكثر ممن سنفارق . كما أن الذين سنفارقهم سيلحقون بنا عاجلاً مهما طال بقاؤهم في الدنيا وما أجمل اللقاء عند ذلك.
ولو عرف الناس التلاقي وحسنه لحبّب من أجل التلاقي التفرّق
فكن مؤمنا يا أخي وأكثر من الاستغفار، وأحسن الظن بالله عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يموتّن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله) لتموت قرير العين هانيها. عند ذلك وحين ترى موقعك وما صرت إليه ستتمنى لو أنك مت قبل ذلك بكثير.
إن الموت ولادة جديدة بها نخرج من دار الفناء والشقاء إلى دار الخلود والبقاء ، حيث لا عيش إلا عيشها ونعيم أبدي مقيم وصدق الله العظيم : ( وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ) العنكبوت 64.

مصر عادى

التعليقات مغلقة.